بقلم: مراد الحطاب
مختص في إدارة المخاطر المالية
تتحدث كافة وسائل الاعلام ، هذه الأيام ، عن الجولة المارطونية لرئيس الحكومة المكلف السيد المهدي جمعة والتى ستشمل عددا من بلدان الخليج ودولا أخرى تربطنا بها علاقات دبلوماسية واقتصادية وإستراتيجية متينة فضلا عن الدعوة التى وجهت له من قبل الولايات المتحدة الامريكية في بداية الشهر القادم . غير أن للزيارات المذكورة وامتدادها جغرافيا أهداف متعددة يجمع المتابعون للشأن الاقتصادي والمالي على أن الغاية الاساسية منها ، هي بالأساس ، اقتصادية لتوفير موارد إضافية للدولة تدعم مناخ استقرار الأعمال إضافة إلى حشد التأييد السياسي قصد مساعدة تونس على تخطي عقبات الانتقال الديمقراطي والوصول إلى مرحلة الثبات.
دون الخوض في التفاصيل ، من المؤكد أن التعامل مع معضلات الجباية والتداين الخارجي وكذلك مسألة الدعم سوف لن تخفض بأي حال من الأحوال من الحاجيات الاضافية للدولة ، تصرفا وتجهيزا ، والتى تقدر ب4.200 مليون دينار وذلك بعنوان السنة الجبائية
2014 وهو الأمر نفسه الذي يقتضي سد ثغرة في السيولة ناهزت في 24 فيفري 2014 ما قدره 4.717 مليون دينار مما يجعل المتطلبات العاجلة التمويلية للبلاد تعادل ما يقارب 8 مليار دينار مما يوافق تقريبا ربع ميزانية الدولة برمتها.
في تقديرنا ، تبدو مسؤولية السيد مهدي جمعة جسيمة بالنظر لصعوبات الظرف المالي العالمي والتحديات التى تواجهها مؤسسات الاقراض الدولية والثنائية من ناحية ، وأهمية المبالغ اللازمة لدفع عجلة الاقتصاد الوطني على المدى القريب والعاجل ،من ناحية اخرى .
هوامش المناورة
قبل بداية زياراته اطلق رئيس الحكومة مبادرة لتجميع 1100 مليون دينار في صيغة اكتتاب عام ، كما حصل على موافقة البنك العالمي لصرف 3 مليار دينار كقرض سيوجه لمعالجة عجز الميزانية فضلا عن تعبئة 700 مليون دينار من قبل البنك الاوروبي للاستثمار ووعد البنك العالمي بإقراض تونس 730 مليون دينار تضاف اليها عمليات صرف الاقساط المتعلقة بالقرض الائتماني لصندوق النقد الدولي والمقدرة 810 مليون دينار ، غير ان الفجوة تبقى دائما هامة رغم ان الديون المتعاقد حولها ستساهم بشكل فعال في التأثير على التمويل والاستثمار الداخلي وإعادة تشكيل البنية التحتية ورصد ميزانية لمقاومة البطالة. ولكن الصعوبات التى نلاحظها في عديد القطاعات ستؤثر حتما على امتصاص الأموال المعبئة بما يعنى أن الحل الوحيد الموجود أمام الفريق الحكومي الجديد لا يتمثل إلا في اقناع مستثمرين مرجعيين لهم إلمام بالشأن الاقتصادي الدولي والإقليمي وتحديدا الوطني ومناخ الأعمال التونسي لبداية التحرك من خلال إقامة مشاريع كبرى ضاعت فرص تجسيمها منذ سنوات عدة وهو ما يجعل اقناع هؤلاء للعودة إلى بلادنا مسألة على غاية من التعقيد والصعوبة .
تعتبر المراهنة على الاستثمار سبيلا مصيريا لتحريك الانتاج والاستهلاك لمكافحة شح السيولة ، مما يضمن دخول تونس مرحلة الانتعاش واستعادة قواها لدعم الصادرات والشروع تدريجيا في القضاء على تراجع ميزان العجز الحكومي والدفوعات ، ومن الطبيعي أن يؤدي هذا التمشى الى مزيد استقرار الوضع الاجتماعي كضامن وحيد لتجنب التقلبات وانصراف الناس نحو العمل كقيمة أساسية لخلق الثروة .
عوائق رفع التحدي
على عكس ما يضن الجميع فان الاقتصاد هو من العلوم الانسانية التى تحدد معادلاتها بصفة كبرى بناءا على سلوكيات المستثمر والمستهلك والمقرض وكل متدخل في الدورة الاقتصادية والاجتماعية ،ومن هنا فإن الانجرار وراء النمطية والقياسات الكمية التى تفتقر للبعد الاستشرافي يجعل تحقيق التوازن بين سوق العمل وسوق السلع والخدمات ومنظومة التمويل أمرا يتطلب حنكة كبيرة في التعامل مع المتغيرات بشتى أنواعها .
على هذا الأساس يرى عدد كبير من المحللين أن مقدرة الفريق الحكومي الجديد في الاقناع بجدوى الاستثمار على مستوى الوجهة التونسية رغم صغرها كسوق على جميع المستويات غضافة الى الفرص الضعيفة حاليا لتوظيف أموال كبرى في مشاريع ذات جدوى متوسطة على الأقل في المدى المتوسط يجعل من الحركية والدينامكية للدبلوماسية الاقتصادية أحد المناهج الكفيلة للنجاح في هذا الإطار .
مهما يكن من أمر ، لا يجب أن نتوقع حدوث معجزات مالية خلال الأشهر المقبلة يمكن أن تغير المعطيات الاقتصادية الكلية ونمط حياة التونسي ولكن الحنكة في التعامل مع الأمور وإرجاع بريق علاقاتنا الاستراتيجية مع شركائنا الدوليين يشكلان حقيقة أحد سبل الخلاص في هذه الفترة الصعبة من تاريخ تونس .
كلمات البحث :الخليج;مراد الحطاب;مهدي جمعة
نعلم قراءنا الأعزاء أنه لا يتم إدراج سوى التعليقات البناءة والتي لا تتنافى مع الأخلاق الحميدة
و نشكر لكم تفهمكم.