كنا قد تطرقنا في عدد سابق إلى قيمة الأخلاق في ديننا الحنيف من خلال ما ورد في الكتاب والسنة، ودورها في النهوض بالأمم و الحضارات والسمو بالإنسان الى أعلى درجات الإنسانية وحتى يكون المسلم على خلق عليه أن يتحلى بمجموعة من الخصال التي وردت أيضا في الكتاب والسنة كالرحمة والصبر، الصدق والأمانة ، الاحسان وبر الوالدين ، الكرم والإيثار …
وسنتناول بالحديث في البداية صفة الرحمة
الرحمة أخي المسلم هي الرقة والعطف والمغفرة. والمسلم الحقيقي رحيم القلب، يغيث الملهوف، ويصنع المعروف، ويعاون المحتاجين، ويعطف على الفقراء والمحرومين، يحسن إلى اليتامى، ويدخل السرور عليهم. اقتداءا بالرسول عليه الصلاة والسلام ففي حديث « للسيدة عائشة رضي الله عنها » عن رحمة النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: « ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده خادمًا له قط ولا امرأة » « أحمد »
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقَبِّلُ ابنه إبراهيم عند وفاته وعيناه تذرفان بالدموع؛ فيتعجب عبدالرحمن بن عوف ويقول: وأنت يا رسول الله؟!
فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: « يابن عوف، إنها رحمة، إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون » « البخاري » .
كما كان صلى الله عليه وسلم يدخل في الصلاة، وهو ينوي إطالتها، فإذا سمع طفلاً يبكي سرعان ما يخففها إشفاقًا ورحمة على الطفل وأمه. قال صلى الله عليه وسلم: « إني لأدخل في الصلاة، فأريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي؛ فأتجوَّز لما أعلم من شدة وَجْدِ « حزن » أمه من بكائه » « متفق عليه » .
فالرحمة والشفقة من أبرز أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وقد وصفه الله في القرآن الكريم بذلك، فقال تعالى: « لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم » « التوبة: 128″ . وقال تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم: « وما أرسلناك إلا رحمة للعاملين » « الأنبياء: 107″ .
كما أن رحمة الله سبحانه واسعة، ولا يعلم مداها إلا هو، فهو القائل: « ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون » « الأعراف: 156″ . ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: « جعل الله الرحمة مائة جزءٍ، فأمسك تسعة وتسعين، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق؛ حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه » « متفق عليه » .
ويقول تعالى: « فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك » « آل عمران: 159″ .
لهذا حري بالمسلم أن يكون رحيما في كل أموره؛ يعاون أخاه فيما عجز عنه، فيأخذ بيد الأعمى في الطرقات ليجنِّبه الخطر، ويرحم الخادم؛ بأن يحسن إليه، ويعامله معاملة كريمة، ويرحم والديه، بطاعتهما وبرهما والإحسان إليهما والتخفيف عنهما.
كما عليه أن يرحم نفسه، بأن يحميها مما يضرها في الدنيا والآخرة؛ فيبتعد عن المعاصي، ويتقرب إلى الله بالطاعات، ولا يقسو على نفسه بتحميلها ما لا تطيق، ويجتنب كل ما يضر الجسم من أمراض، فلا يؤذي جسده بالتدخين أو المخدرات… إلى غير ذلك. والمسلم يرحم الحيوان، فرحمة المسلم تشمل جميع المخلوقات بما في ذلك الحيوانات.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: « ارحم من في الأرض، يرحَمْك من في السماء » « الطبراني والحاكم »، وقال صلى الله عليه وسلم: « مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم؛ مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى » « مسلم » .
وعليه أن يتجنب القسوة و الغلظة ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حذرنا من الغلظة والقسوة، وعدَّ الذي لا يرحم الآخرين شقيا، فقال صلى الله عليه وسلم: « لا تُنْزَعُ الرحمةُ إلا من شَقِي » « أبو داود والترمذي » وقال صلى الله عليه وسلم: « لا يرحم اللهُ من لا يرحم الناس » « متفق عليه » .
وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة دخلت النار من أجل قسوتها وغلظتها مع قطة، فيقول صلى الله عليه وسلم: « دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعْها تأكل من خشاش الأرض « دوابها كالفئران والحشرات » « متفق عليه » ، فهذه المرأة قد انْتُزِعَت الرحمة من قلبها، فصارت شقية بتعذيبها للقطة المسكينة التي لا حول لها ولا قوة.
يتبع
نعلم قراءنا الأعزاء أنه لا يتم إدراج سوى التعليقات البناءة والتي لا تتنافى مع الأخلاق الحميدة
و نشكر لكم تفهمكم.