من أنوار التنزيل 33 : سورة البقرة الآيات 50 و51 و52

بقلم الشيخ بشير طبابي

بســم اللّـه الـرّحمـان الـرّحيـم ، إنّ الحمـد للّــه نحمــده ونستعيـنـــه ونستغفــره ونعـوذ باللّـــه مـن شـرور أنفسنـا وسيّئــات أعمـالنـــا ، مـن يّهـــده اللّـــه فــلا مضــلّ لـه ومــــن يضــلل فـــلا هـــادي لــه ، أشهـــد أن لا إلــه إلاّ اللّــه وحــده لا شــريـك لـه وأشهــد أنّ محمّــــدا عبــــده ورسـلــه وأمينــه علـى وحيـيــه وخيــرتـه مـن خلقــــه ، المبعــوث بالـدّيـن القـويــم والمنهـــج المستقيــــم أرسلـــه اللّـه تعـالـى رحمــــة للعـالميـن وإمـامـا للمتّقيــن وحجّـــــة علـى الخــلائــق أجمعيــن .
يقــول اللّــه تعــالـى فـي محكــم التنــزيــل. بعــد أعــوذ باللّـه مـن الشيطـان الـرّجيــم بســم اللّـه الـرّحمـان الـرّحيــم « وإذ فــرقنـا بكــم البحــر فـأنجينــاكـم وأغــرقنـا آل فــرعــون وأنتــم تنظــرون (50) وإذ واعــدنـا مـوسـى أربعيــن ليلــة ثــمّ اتّخــذتــم العجــل مــن بعــده وأنتــم ظـالمـون (51) ثــمّ عفــونـا عنكــم مـن بعــد ذلــك لعلّكــم تشكــرون (52) »
« وإذ فــرقنـا بكــم البحــر » أي أذكــروا يـا بنــي إسرائيــل أيضــا إذ فلقنــا لكــم البحــر أيضــا حتّـى ظهـــرت لكــم الأرض اليـابســة فمشيتــم عليهــا.
« فـأنجينــاكـم وأغــرقنـا آل فــرعــون » أي أنجينـاكــم مـن الغــرق وأغــرقنـا فـرعـون وقــومـه ، وذلــك أنّ مــوسـى عليـه السّـلام عندمــا رأى فــرعـون وجيشــه يتّجهــون إلـى البحــر ليعبــروه أراد أن يضــرب البحــر ليعــود إلـى السيــول فــلا يلحــق بهــم آل فــرعـون ، فأوحـى اللّـه تعـالـى إليـه « واتــرك البحــر رهــوا إنّهــم جنــد مغــرقـون » اتــرك البحــر كمـا هــو حتّـى يتبعكــم فــرعــون وجيشـــه ليهلــكوا بــه.
« فـأنجينــاكــم وأغـرقنـا آل فــرعــون وأنتــم تنظــرون » أي وأنتــم تشــاهــدون ذلـك فقــد كــان آيــة بـاهــرة مـن آيــات اللّـه فــي إنجــاء أوليّـــائــه وإهــلاك أعــدائـــه . اللّه تبـارك وتعـالـى أراد أن يــوري بنــي إســرائيــل آل فــرعـون وهــم يغــرقــون ليــذهــب غيــض قلــوبهــم علـى أعــدائهــم . والجملــة تحتمــل معنــى آخــر وهــو أن ينظــر بعضكــم إلــى بعــض وأنتــم غيــر مصــدّقيــن أنّكــم نجــوتـــم مـن هــذا البـــلاء وفـي نفــس الـوقــت تطمئنّـــون أنّ عــدوّكــم لــن يطــاردكـــم مــٍـرّة أخـــرى لأنّكــم رأيتــم مصـرعــه بأمّ أعينكـــم . وأمّـا كلمــة فــرعــون فهــي لقــب لكــلّ مــن ملــك مصـــر قبــل البطــالســــة مثــل قيصــر لملــك الـرّوم وكســـرى لملــك الفــرس وتبّـــع لملــك اليمــن والنّجـاشــي لملــك الحبشــة.
« وإذ واعــدنـا مـوسـى أربعيــن ليلــة » وعــدنـا مــوسـى أن نعطيــه التـوراة بعــد أربعيــن ليلــة وكــان ذلــك بعــد نجـاتكــم يـا بنـي إســرائيــل وإهــلاك فــرعــون.
« ثــمّ اتّخــذتــم العجــل مــن بعــده » أي عبــدتّــم العجــل بعــد غيبتــه عنكــم حيـــن ذهــب لميقــات ربّــه.
« وأنتــم ظـالمــون » أي معتــدون باتخاذكــم العجــل فـي تلــك العبــادة ظـالمـوا لأنفسكــم ، وأصــل هــذا الكــلام هــو فـي الـذّهــب الّـذي صنــع السّـامــريّ منــه عجــلا مـن الحلــيّ الّتـي أخــذوهـا خلســة مـن نسّــاء آل فــرعــون أثنــاء خــدمتهــم لهــنّ ، ولــذا فتنهــم اللّــه بالمــال الحــرم لأنّ المـال الحــرام لا يــأت منــه خيــر بـل ينقلــب علـى صـاحبــه شــرّا ووبـالا. فــلا بــدّ مـن أخــذ العبــرة أيّهـا الإخــوة ممّـا حصــل لهــم وصــدق رســول اللّـه صلّـى اللّـه عليــه وسلّــم حيــن يقــول : « إنّ اللّـه طيّــــب ولا يقبــل إلاّ طيّبــا » رواه الإمــام مسلــم.
« ثــمّ عفــونـا عنكــم » أي تجـاوزنـا عــن تلكــم الجـريمــة الشّنيعــة.
 » مـن بعــد ذلــك لعلّكــم تشكــرون » أي مـن بعــد ذلـك الاتخــاذ المتنـاهـي فـي القبــح مـن عبــادة العجــل لكــي تشكــروا نعمــة اللّــه عليكــم وتستمــرّوا بعــد ذلــك علـى الطّـاعـة.
نســأل اللّــه تعـالـى أن يــرزقنـا تخلّـــق القــرآن وحفظــه والعمـــل بــه والجهــاد تحـــت لــوائـــه ، ونسـألــه أن يجعــل القــرآن العظيــم ربيــع قلــوبنــا إنّــه ولــيّ ذلــك والقــادر عليــه .

كلمات البحث :سورة البقرة;من انوار التنزيل

نعلم قراءنا الأعزاء أنه لا يتم إدراج سوى التعليقات البناءة والتي لا تتنافى مع الأخلاق الحميدة
و نشكر لكم تفهمكم.