من أنوار التنزيل 28 : الآية 44 من سورة البقرة

بقلم الشيخ بشير طبابي

 

 

الحمــــد للّـــه ربّ العالميــن ، يسمــع دعـــاء الخلائــق ويجيــب . يؤنــس الوحيـد ، ويهــدى الشريــد ، ويذهــب الوحشــة عـن الغريـب . يغفــر لمـن استغفــره ، ويرحــم مـن استـرحمــه ، و يصلــح المعيـب . يستــر العصـــاة ، ويمهـــل البغـــاة ، ومــن تــاب منهــم قبــل منــه وتــاب عليــه . وأشهـــد أن لا إلـــه إلا اللّـــه وحــده لا شريــك لــه المهيمـــن والرقيـــب . مــن تبــع شرعــه والاه ، ومــن تقـــرب إليــه فـــاز بالتقريـــب. وأشهــد أن سيــدنا محمــدا عبـــده ورسولـــه المقــــرب والحبيــــب . خلقــه نعمــة ، ومبعثـــه رحمـــة ، وشمـــس سنتـــه لا تغيـــب.نـــوره يخطــــف الأبصــــار ، ومسجــــده علـــم ومــــزار ، وأنفاســــه مســـك وطيــــب. مــن سلـــم عليـــه رد عليــه الســـلام ، ومــن صلــى عليـــه فهـــو مــن الجنـــة قريـــب.
لا تــزال الآيــات تتحـــدّث عــن بنــي إســرائيــل ، وفـي هــذه الآيــات ذمّ وتــوبيـــخ لهــم علــى ســوء صنيعهـــم ، حيــث كـانــوا يـأمــرون بالخيـر ولا يفعلــونــه ويــدعــون النّـاس إلـى الهــدى والـرّشــاد ولا يتّبعــونــه.
يقــول اللّـه تبـارك وتعـالــى بعــد أعــوذ باللّـه مـن الشيطـان الـرّجيــم بســم اللّـه الـرّحمـان الـرّحيــم « أتــأمــرون النّــاس بالبــرّ وتنســون أنفسكــم . وأنتــم تتلــون الكتــاب أفــلا تعقلــون (44) » صــدق اللّــه العظيــم .
يخــاطــب اللّــه أحبـار اليهــود ويقــول لهــم علـى سبيــل التقــريـر والتـوبيـخ « أتــأمــرون النّــاس بالبــرّ وتنســون أنفسكــم » أي أتــدعــون إلـى الخيـر وإلـى الإيمــان وبمحمّــد صلّـى اللّـه عليـه وسلّــم وتتـركـون أنفسكــم فــلا تـؤمنـون ولا تفعلـون الخيـر. « وأنتــم تتلــون الكتــاب » أي حـال كـونكــم تقــرؤون التـورايـة وفيهـا صفــة ونعــت محمّــد عليـه الصّـلاة والسّـلام.
« أفــلا تعقلــون » أي أفــلا تفقهــون أنّ ذلـك قبيــح وتــرجعــون عنــه.
وهــذه الآيــة نــزلــت فـي بعــض علمــاء اليهــود كـانـوا يقـولـون لأقــربـائهــم الّـذيـن أسلمـوا أثبتـوا علـى ديـن محمّــد فإنّــه حــقّ ، فكـانـوا يأمــرون النّـاس بالإيمــان ولا يفعلــونـه. وهــذا الخطـاب فـي الآيــة لا ينطبــق علـى اليهــود فقــط بــل علـى كــلّ مـن سلــك مسلكهــم.
فالـدّيــن كلمــة تقــال وسلــوك يفعــل ، فإذا انفصلــت الكلمــة علـى السّلــوك ضـاعــة الـدّعـوة . لأنّ مـن يــراك تفعـل مـا تنهــاه عنــه يــدر أنّـك مخــادع وغشّــاش ولـذا قــال الحـقّ سبحـانـه وتعـالـى فـي ســورة الصــفّ « يـا أيّهـا الـذين آمنـوا لم تقولـون ما لا تفعلون » .
أيّهـا الإخوة الكـرام  لا بــدّ للقــول مـن عمــل وهـو مـا كـان عليــه رسـول اللّـه صلّـى اللّـه عليـه وسلّــم فمـا أمــر أصحـابــه بشــيء إلاّ كـان أسبقهــم إليــه ، ولــذا أمــرنـا اللّـه تعـالـى باتخاذه قــدوة فقــال « لقـد كـان لكـم فـي رســول إســوة حسنــة «  .
أحبّتـي فـي اللّـه كــان سيّــدنـا عمــر رضـي اللّـه عنــه إذا أراد أن يــأمــر الـرّعيّــة بشــيء بــدء بنفســـه وأهلـــه قــائــلا « لقــــد بــدالــي أن آمــر بكــذا . وكــذا والّـذي نفســي بيــده مـن خـالـف منكــم لأجعلنّـــه نكـالا للمسلميــن » ، فــلا بــدّ للعلمــاء والـدّعــاة أن يكـونـوا قــدوة إذا أرادوا إصــلاح المجتمــع . وهــو المنهــج الّـذي انتشــــر بــه الإســلام فـي كثيــر مــن البــلـدان فـي أنحــاء العـالــم عبــر التجّــار المسلميــن الملتــزميــن بتعـاليــم الإســلام . ثــمّ بيّـن لهــم اللّــه تعــالـى طــريــق التغلّــب علـى الأهــواء والشّهــوات والتخلّــص مـن حــبّ الـريّــاســة وسلطــان المـــال . واللّـه ورسـولــه أعلــم والسّــــلام عليكــم ورحمـــــة اللّــــه تعـالـى وبـركـاتــه.

كلمات البحث :الشيخ بشير طبابي;من انوار التنزيل

نعلم قراءنا الأعزاء أنه لا يتم إدراج سوى التعليقات البناءة والتي لا تتنافى مع الأخلاق الحميدة
و نشكر لكم تفهمكم.