بقلم مراد الحطاب
مختص في إدارة المخاطر المالية
أكد في المدة الأخيرة مسؤولون بالحكومة وخبراء وجود مؤشرات تعكس وضعية صعبة نسبيا، في خصوص التوازنات المالية العامة للدولة وإشكاليات على مستوى ميزان الدفوعات وحساب رأس المال مما قد يؤدى إلى احتمال تعثر في الإيفاء بالالتزامات الداخلية لتعبئة الموارد لاستعمالها في الإنفاق الحكومي بعنوان ميزانية الدولة لسنة 2014 ، خصوصا في باب التأجير ونفقات تسيير الإدارة وكذلك في باب التعهدات لخلاص الديون ، أصلا وفوائض داخليا خارجيا .
وقد تناقلت عديد وسائل الإعلام هذه المعطيات في غياب صورة واضحة وموثقة من الناحية العلمية الصرفة بالاستناد إلى بعض المعطيات المحدودة، مما أربك الرأي العام وأثار تحفظات لدى المستثمرين حول وضوح الرؤية لاسيما في مجال تطور الإنتاج والاستهلاك والاستثمار العمومي والخاص ومستوى النمو المنتظر تحقيقه .
غير أن الاعتماد على الأرقام الرسمية المفصح عنها يتطلب قراءة موضوعية على مستويات عدة وذلك بتشخيص موضوعي للوضع الحالي وأفاق تطوره لقياس مؤشرات المخاطر في هذا المجال من ناحية ، وتصور حلول لتجنب حدوث هزات قد تكون لها تأثيرات خصوصا على مستوى العجز في الميزانية ومستوى السيولة وقيمة صرف الدينار على ضوء تطور المدخرات من العملة الأجنبية ، من ناحية أخرى .
ومن هنا سنحاول تقديم قراءة عامة لمعطيات التناغم القطاعي في تونس والترابط على مستوى سوق السلع والخدمات وسوق المال بشكل خاص .
قراءة عامة في مستجدات الوضع الاقتصادي الحالي
تشير أخر المعطيات المتعلقة بالحسابات الوطنية الصادرة عن البنك المركزي التونسي والمعهد الوطني للإحصاء أن العجز في ميزانية الدولة يناهز2967 مليون دينار وهو ما يوافق نسبة 7% تفاقم إلى حد ما نتيجة الثغرة النقدية التي سجلتها البلاد خلال السنوات الثلاث الأخيرة والتي قدرت في 24 فيفري من السنة الجارية بما يناهز 4714 مليون دينار نتيجة السحب المكثف لإيداعات حرفاء الجهاز البنكي ، بشتى أصنافهم ، تبعا بالأساس لتنامي تعاملات التجارة الموازية التي أثرت على تردى وضعية ميزان الدفوعات ذي الحاصل السلبي المقدر تقريبا ، في الوقت الحالي ، بما يعادل 6149 مليون دينار .
ولكن التمعن فيما سبق ذكره ، يقتضي وضع المسالة في إطار موضوعي بالنظر لتراجع الإنتاج في اغلب القطاعات المحورية مما تسبب في نقص كبير في المداخيل الجبائية فضلا عن انخفاض تعاملاتنا مع القطر الليبي توريدا وتصديرا والتي كانت تشكل تقريبا 40% من إجمالي التبادلات الخارجية دون إغفال سلوك المواطن التونسي غير المبرر في ما يتعلق بعلاقاته بمؤسسات القرض والهيئات المالية الوطنية التي سارعت فئة هامة من المجتمع التونسي إلى التخلي عن التعامل معها ، دون أسباب مفهومة ، والعودة إلى طرق قديمة لخزن الأموال وإخراجها من المنظومة الوطنية مما أربك مستويات السيولة ويمكن أن يؤثر على تسعيرة صرف الدينار التونسي و يؤدي إلى ترسخ الضغوطات التضخمية والمضاربات بمختلف أصنافها .
آفاق الوضعية العامة الاقتصادية والمالية للبلاد
بالنظر لموسمية نشاط الاقتصاد فانه من المؤكد انه وعلى الرغم من حرج الوضعية فان الازدهار المتوقع لقطاعين محوريين هما السياحة و فرع البناء والأشغال العامة خلال الأشهر القادمة إضافة إلى انتظار محصول جيد على مستوى الزراعات الكبرى ستشكل عوامل للتخفيف إلى حد كبير من المخاوف التي يعيشها التونسيون اليوم كما أن البرامج التي وضعت لإصلاح مسالك التوزيع وتنظيم المجال التجاري ستكون لها تداعيات في مجال تنظيم الأسعار خصوصا وان الحكومة التونسية قد شرعت في الأخذ بزمام الأمور بمسالة التهريب ومقاومته بشتى الطرق .
أما على المستوى النقدي والمالي فان الإصلاحات الهيكلية المنتظرة والمتأكدة في مجال إعادة تنظيم الجهاز البنكي والمصرفي وبالأساس العمومي منه إضافة إلى البرنامج المزمع تجسيمه لمعاجلة عجز بعض المؤسسات الحكومية الكبرى المنتظر إعادة هيكلتها بالكامل ، ستساهم إلى حد كبير في تخفيف العبء المالي للدولة مما سيمسح للسلطات النقدية بهامش مناورة خصوصا في ما يتعلق بالتحكم في الكتلة النقدية وهاش الفائدة البنكية والعمل قدر المستطاع على المحافظة على احتياطي المخزون من العملة الأجنبية وتسعير العملة الوطنية.
ولكن وعي التونسي بالتحديات الراهنة وبضرورة تكاتف جهود كافة الأطراف المتدخلة في الشأن الاجتماعي والاقتصادي ، يشكلان أولوية لتجنيب البلاد الهزات والأزمات التي تعانيها اليوم اقتصاديات كبرى بمنطقة اليورو وبعديد الدول الناشئة والمتطورة نتيجة الظرف الاقتصادي العالمي الصعب والعوائق التي يواجهها المسيرون لتطبيق قواعد الحوكمة الرشيدة في مناخات إقليمية متقلبة والالتزام على هذا المستوى بمعايير الحذر في التعامل مع التوازنات المالية والنقدية في ظل تأجج الاحتجاجات الاجتماعية نتيجة تدهور القدرة الشرائية للمستهلكين وتراجع جودة الحياة لسكان أصقاع عديدة من العالم .
كلمات البحث :الاقتصاد التوني;مراد الحطاب
نعلم قراءنا الأعزاء أنه لا يتم إدراج سوى التعليقات البناءة والتي لا تتنافى مع الأخلاق الحميدة
و نشكر لكم تفهمكم.