بقلم مراد الحطاب
مختص في إدارة المخاطر المالية
اختارت عديد الدول المنهج الفدرالي كأساس للحوكمة وذلك لتمكين الجهات من التصرف مباشرة في مواردها الطبيعية واستثماراتها غير أن نجاحها ارتبط اساسا بضمان موارد التمويل لتحقيق شراكة بين القطاعين العام والخاص و الحد من التدخل المركزي المطلق في تحديد اعتمادات موازناتها . ولقد كانت تجربة احداث البنوك الجهوية رافدا من روافد بعث ديناميكية مالية ضمنت، في هذا الاطار ، للباعثين المحليين تعاملات نقدية مثلى مما ساعد على النجاح في احداث مشاريع ملائمة لخصوصيات مناطقهم .
يعتبر تثبيت السكان في الجهات أحد ابرز ركائز نماذج التنمية الحديثة في العالم درءا لحرمانهم من ثرواتهم وذلك من خلال وضع دعائم للنهوض بها اعتمادا على تكوين انسجة من مؤسسات للإسناد الاداري والتمويلي ذات الطابع المتميز أهمها فروع وكالات دعم الاستثمار والتجديد الانتاجي والبنوك والصناديق النقدية الجهوية التي شهدت المانيا وفرنسا والبرازيل أولى مراحل احداثها سعيا لتعبئة الودائع المحلية وتقديم خدمات مالية مناسبة لتطلعات الباعثين ولاسيما الشبان منهم بالاقتراب من شواغلهم ومواكبة مبادراتهم وتوجيههم نحو سبل النجاح وفق الخصائص العامة لجهاتهم .
ماذا نعني بالبنوك الجهوية ؟
تختلف المفاهيم ، في هذا الصدد ، بين الصناديق التمويلية المحلية والبنوك الجهوية غير أن المعنى العام المتداول يفيد بأنها مؤسسات للقرض تتمتع بالاستقلالية في ادارة شؤونها بالاقتصار على التدخل في جهة ما من خلال النشاط عبر شبكة فروع قريبة من المتعاملين معها وهم تقريبا و حصريا من أبناء المنطقة لتمكينهم من خدمات تعبئة موارد ادخارهم وودائعهم سواءا كانت تحت الطلب أو لأجل بغرض حصولهم على التمويلات اللازمة شريطة بعث المشاريع على المستوى الجهوي دون الاجحاف في طلب الضمانات اضافة الى تقديم خدمات مالية اضافية مشابهة لما تسديه مؤسسات القرض العادية من تحويلات وتوظيف لفوائض الخزينة وعمليات نقدية مع الخارج طبقا للصيغ العامة في التعامل المصرفي .
للتبسيط ، تعنى الاستقلالية بالنسبة للبنوك الجهوية ، على عكس مؤسسات القرض الصغرى وما يشبهها ، ارتفاع رؤوس اموالها وتنوع المشاركين في تكوينها وإمكانية حصولها على موارد وخطوط اعتماد دولية او خارجية بغرض المساهمة في النشاط الاقتصادي بالتمويل الكبير ومواكبة البرامج الاستراتيجية للجهات العاملة بها فضلا عن عدم الارتباط على مستوى التنظيم وصياغة طرق الحوكمة واليات العمل بأي منظومة مركزية غير انها تبقى خاضعة ، في جميع الحالات ، للرقابة العليا للسلط النقدية وللوائح والتراتيب والقوانين المنظمة للمهنة المصرفية بما في ذلك التقيد بمعايير التوقي من مخاطر السيولة والقرض والفائدة وما الى ذلك من الاشكاليات التي تحيط بالعمل التمويلي عموما.
تلعب البنوك الجهوية بفضل سلاسة مساراتها الادارية و اجراءات اتخاذ القرار بها دورا كبيرا في التوجيه والقيام بالدراسات التى تساعد على انجاح النشاط الانتاجي والقطاعي والاستثماري بالجهات بفضل ما يتوفر ، في هذا السياق ، من مواكبة مستمرة وحرص خاص على الاقتراب من شواغل الشرائح الاجتماعية التى تشكل النسيج السكاني للمنطقة العاملة بها .
التحدي التونسي
دون الخوض في غمار تحديات تنمية الجهات في تونس التى واجهت طيلة عقود مآسي التخلف الاجتماعي وتفاقم ظاهرة الهجرة الداخلية والتصحر الديمغرافي وتهالك بناها التحتية ، فقد بات من الحتمي توجيه اصحاب المال والأعمال والمستثمرين الكبار ومؤسسات القرض وشركات توظيف الأموال سواء منها ذات رأس المال الثابت او المتغير الى بعث هياكل تابعة او فرعية لتكون النواة الاولى لتركيز بنوك جهوية ومحلية مستقلة ذات صلابة كافية على مستوى الأموال الذاتية لتحقيق الجدوى والربحية المرجوتين مع تمكينها من هوامش تحرك كبيرة في مناطق اشعاعها وتدخلها بتمتيعها بالاستقلال التام بالنسبة لسلطة القرار .
من المؤكد أن نجاح التجربة وثيق الصلة بالاستئناس بالانجازات التي تحققت على الصعيد الاقليمي والدولي وهو ما يشترط التكوين ، في هذا المجال ، لإطارات كفؤة وفق المعايير المعتمدة في مجال احداث البنوك الجهوية مع التركيز على مراعاة الخصوصية التونسية وهو امر في غاية الاهمية .
انطلاقا مما سبق ذكره يتحتم ، في البداية ، تحديد اطار تشريعي مرن وإعطاء البنوك سالفة الذكر كافة الصلوحيات للانخراط بالكامل في سياسة تنمية الجهة العاملة بها بالتركيز على دعم اصحاب الافكار المستحدثة في ميدان بعث المشاريع وخصوصا الشبان منهم تثمينا لأعمالهم ومرافقة لنجاحهم .
نفقات التنمية لسنة 2014 (بحساب ا.د)
ميزانية 2013 |
ميزانية 2014 |
|
- الاستثمارات المباشرة *اعتمادات على الموارد العامة للميزانية - التمويل العمومي *اعتمادات على الموارد العامة للميزانية *اعتمادات على القروض الخارجية الموظفة |
500 500 410100 380100 30000
|
400 400 392563 370562 22000 |
الجملة |
410600 |
392962 |
المصدر : ميزانية الدولة لسنة 2014 ، الباب الحادي عشر ، وزارة التنمية والتعاون الدولي
لقد تبين من خلال برامج احداث محاضن المؤسسات والأقطاب التكنولوجية وغيرها من الهياكل على مستوى أطر عمل المشاريع الانتاجية والاستثمارية المجددة ان طرق تدخل البنوك التقليدية في تونس وتعاطيها مع تمكين الباعثين من قروض الاستثمار والاستغلال وجود قصور كبير في فهم واقعهم وعدم تركيز وحدات دراسات جهوية تنسق مع الاطر الرسمية مركزيا ومحليا وهو ما عجل ، مع الأسف ، باندثار ألاف المؤسسات الصغرى والمتوسطة خلال العشرية الأخيرة بالخصوص اذ تبين الاحصائيات أن لمؤسسات القرض التونسية دور كبير في جعل أملها في الحياة والاستمرارية يتراوح بين الخمس والسبع سنوات.
لذا بدأ يتضح جليا لكافة الاطراف أن البنوك التونسية الموجودة حاليا على الساحة عاجزة ، بصفة عامة ، عن فهم واقع الجهات بحكم الشكل النمطي والموحد في التسيير والتعامل مع عملائها كما أن هذه الأخيرة تعيق بشكل كبير اي مجهود حكومي للنهوض بالبنى التحتية بحكم الشروط المجحفة التى تضعها في اطار تمويل صفقات الباعثين لها ومن هنا يتحتم التفكير ، بشكل عاجل ، في صياغة نمط تمويلي جديد بالجهات يعاضد مجهود الاطر الرسمية ويلبى الحاجيات الحقيقة لأهلها ويسمح للشباب بالتحليق عاليا .
كلمات البحث :بنوك جهوية;مراد حطاب
نعلم قراءنا الأعزاء أنه لا يتم إدراج سوى التعليقات البناءة والتي لا تتنافى مع الأخلاق الحميدة
و نشكر لكم تفهمكم.